فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكنت أقوى أصحابي، فكنت أخرج وأطوف بالأسواق وآتي المسجد وآتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وأقول: هل حرك شفتيه بالسلام.
فإذا قمت أصلي إلى سارية، فأقبلت على صلاتي، نظر إلي بمؤخر عينيه، فإذا نظرت إليه، أعرض عني.
واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار، ولا يطلعان رؤوسهما فبينما أنا أطوف بالسوق، إذا برجل نصراني جاء بطعام له يبيعه يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون إليّ، فأتاني وأتاني بصحيفة من ملك غسان وإذا فيها: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولست بدار مضيقة ولا هوان، فالحق بنا نواسيك.
فقلت: هذا أيضًا من البلاء، يعني: الدعوة إلى الكفرَ فسجَّرْت لها التنور فأحرقتها فيه.
فلما مضت أربعون ليلة، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاني فقال: «اعْتَزِل امْرَأَتَكَ».
فقلت: أطلقها؟ فقال: «لا، ولكن لا تَقْرَبْهَا».
فجاءت امرأة هلال بن أمية، فقالت: يا نبي الله إن هلالًا شيخ ضعيف، فهل تأذن لي أن أخدمه؟ قال:
«نَعَمْ، ولكن لا يَقْرَبَنَّكِ».
فقالت: يا نبي الله، والله ما به حركة من شيءٍ، ما زال مكبًا يبكي الليل والنهار منذ كان من أمره ما كان.
قال كعب: فلما طال علي البلاء، اقتحمت على أبي قتادة حائطه، وهو ابن عمي، فسلمت عليه فلم يرد عليّ جوابًا، فقلت: أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أني أحب الله ورسولهُ؟ فسكت ثم قلت أنشدك بالله يا أبا قتادة أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ حتى عاودته ثلاث مرات قال: الله ورسوله أعلم فلم أملك نفسي أن بكيت، ثم اقتحمت الحائط خارجًا.
حتى إذا مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا، صليت على ظهر بيت لنا صلاة الفجر، ثم جلست وأنا في المنزلة التي قال الله تعالى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} إذ سمعت نداء من ذروة سلع اسم جبل أن أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجدًا، وعرفت أن الله تعالى قد جاء بالفرج.
ثم جاء رجل يركب على فرس، يركض يبشرني، فكان الصوت أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين، وانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وجعل الأنصار يستقبلونني فوجًا فوجًا ويهنئونني ويبشرونني.
ولم يقم أحد من المهاجرين غير طلحة بن عبيد الله، قام وتلقاني بالتهنئة، فما نسيت ذلك منه.
وانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر وكان إذا سُرَّ بالأمر، استنار وجهه كالقمر، فجئت فجلست بين يديه فقال: «أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أمُّكَ».
فقلت: يا نبي الله أمن عندك أم من عند الله؟ قال: «بل من عند الله» قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والانصار} إلى قوله: {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلّفُواْ} الآية.
فقلت: يا نبي الله، إن من توبتي ألا أحدث إلاَّ صدقًا، وأن أنخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله.
قال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك».
قال: فما أنعم الله عليّ نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي، ألا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا.
وإني لأرجو ألا يكون الله أبلى أحدًا في الصدق كما أبلاني ما تعمدت لكذبة قط وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.
وروى الزهري عن كعب بن مالك قال: كانت توبتنا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلثا الليل، فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعبًا بن مالك؟ قال: «إذًا يَحْطِمَنَّكُمْ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمْ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ».
وكانت أم سلمة محسنة في شأني، تحزن بأمري وذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلّفُواْ} يعني: وتاب الله على الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
ويقال: {وَعَلَى الثلاثة الذين} عن التوبة، يعني: أبا لبابة {خُلّفُواْ حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ}، يعني: بسعتها، {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}، يعني: ضاقت قلوبهم، {وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله}، يعني: علموا وأيقنوا أن لا مفر من عذاب الله: {إِلاَّ إِلَيْهِ}، يعني: إلا بالتوبة إليه {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ}، يعني: يتجاوز عنهم حتى تابوا ويقال: أكرمهم فوفقهم للتوبة كي يتوبوا.
ويقال: تاب عليهم ليتوب من بعدهم ويقتدي بهم.
{إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم}، يعني: المتجاوز لمن تاب، الرحيم بهم بعد التوبة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} يعني تاب على الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فلم يخرجوا، وقيل: خلفوا عن توبة أبي لبابة وأصحابه وأرجى أمرهم وقد مضت السنة.
وقرأ عكرمة وحميد: خلفوا بفتح الخاء واللام والتخفيف أي فدله بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه انه قرأ: {خالفوا}، وقراءة الأعمش: {وعلى الثلاثة المخلفين}، وهم كعب بن مالك الشاعر ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية كلهم من الأنصار وروى عبيد عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه عبد الله بن كعب وكان قائد أبيه كعب حين أُصيب بصره.
قال: سمعت أن كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك غير بدر ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا تخلف عن بدر إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغيثين لعيرهم فالتقوا من غير موعد كما قال الله عزّ وجل ولعمري أن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر، وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، ثم لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد في غزوة غزاها إلى أن كانت غزوة تبوك وأذن الناس بالرحيل وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار، وكان قلّ ما أراد غزوة إلاّ ورى غيرها وكان يقول: الحرب خدعة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يتأهّب الناس أهبتها وأنا أيسر ما كنت قد جهزت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي الجهاد وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار فلم أزل كذلك حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم غاديًا بالغداة وذلك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس فأصبح غاديًا فقلت: أنطلق غدًا إلى السوق أشتري جهازي ثم ألحق بهم فانطلقت إلى السوق من غد فعسر عليَّ بعض شأني فرجعت فقلت: أرجع غدًا إن شاء الله فألحق بهم، فعسر عليَّ بعض شأني أيضًا فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب وتخلّفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة فيحزنني أنّي لا أرى أحدًا تخلف إلاّ رجلا مغموصًا عليه في النفاق أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء وكان الناس كثيرًا لا يجمعهم ديوان وكان جميع من تخلّف عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعًا وثمانين رجلا ولم يذكرني النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو بتبوك جالس: «ما فعل كعب بن مالك؟».
فقال رجال من قومي: يا نبيّ الله خلّفه راحلته والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا نبي الله ما نعلم إلاّ خيرًا، فبينما هم كذلك إذا همّ برجل مبيضًا يزول به السراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا خثيمة وإذا به أبو خثيمة الأنصاري وهو الذي تصدّق بصاع التمر فلمزه المنافقون، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وقفل إلى المدينة (جعلت بما أخرج) من سخط النبي صلى الله عليه وسلم فأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي حتى إذا قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم (مضى يصلي) بالغداة راح عني الباطل وعرفت أن لا أنجو إلاّ بالصدق فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وصلّى في المسجد ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم فقبل منهم علانيتهم ووكَّل سرائرهم إلى الله تعالى فدخلت المسجد فإذا هو جالس فلما رآني تَبَسَّم تبسُّم المغضب فجئت فجلست بين يديه فقال: «ألم تكن قد ابتعت ظهرك» قلت: بلى يا رسول الله قال: «فما خلّفك»؟
قلت: والله لو كنت بين يديّ أجد من الناس غيرك جلست لخرجته من سخطته بعذر ولقد أوتيت جدلًا، ولكن قد علمت يا نبي الله أني أن أخبرك اليوم بقول تجد علي فيه وهو حقّ فإنّي أرجو فيه عفو الله وإن حدّثتك اليوم حديثًا ترضى عني فيه وهو كذب أوشك أن يطلعك الله عليه والله يا نبي الله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذًا مني حين تخلفت عنك.
فقال صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدقكم الحديث قم حتى يقضي الله فيك».
فقمت فإذا على أثري ناس من قومي فاتبعوني فقالوا: والله ما نعلمك أذنبت ذنبًا قبل هذا فهلاّ اعتذرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرضى عنك فيه وكان استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك كافيك من ذنبك ولم تقف نفسك موقفًا ما تدري ماذا يقضي لك به؟ فلم يزالوا يؤنّبوني حتى صمّمت أن أرجع فأُكذب نفسي فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا: نعم، قالوا: هلال بن أُمية الواقفي وأبو مرارة بن ربيعة العامري. فذكروا رجلين صالحين قد شهدوا بدرًا لي فيهما أُسوة فقلت: والله لا أرجع إليه في هذا أبدًا، ولا أكذب نفسي قال: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلّف عنه قال: فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد وتنكّر لنا الناس حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي الحيطان التي نعرف وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي الأرض التي نعرف، وكنت أقوى أصحابي وكنت أخرج فأطوف بالأسواق وآتي المسجد فأدخل فآتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بالسلام، فإذا قمت فأقبلت فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ بمؤخر عينيه وإذا نظرت إليه، واستكان أعرض عني فإستكانا صاحباي فجعلا يبكيان الليل لا يطلعان نفسيهما فلما طال علي ذلك المسلمين من جفوة حتى تسمّرت بظلّة حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ فسلمت عليه فوالله ما ردَّ عليَّ السلام فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمنّ أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدران فبينا أطوف في السوق إذا برجل نصراني نبطي من نبط أهل الشام جاء بطعام له يبيعه ويقول: من سيدلّ على كعب بن مالك. فطفق الناس يشيرون له إليَّ فأتاني فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسّان فإذا فيه: أمّا بعد فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار مضيعة ولا هوان فالحق بنا نواسيك، فقلت: هذا من البلاء والشرف فسجّرت التنور فأحرقته فلما مضيت له بغضون ليلة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني فقال: «اعتزل امرأتك» فقلت: أطلقها.
قال: «لا ولكن لا تقربها» وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال فقالت: يا نبي الله إنَّ هلال بن أُمية شيخ ضعيف فهل تأذن لي أن أخدمه قال: «نعم ولكن لا يقربك».
قالت: يا نبي الله والله ما به حركة لشيء ما زال مكبًّا يبكي الليل والنهار. قد كان من أمره ما كان.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله وما يدريني ماذا يقول إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب. فلما مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فصلّيت على ظهر بيت لمّا صلّى الفجر وجلست وأنا في المنزلة التي قال الله عزّ وجلّ: {إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} وضاقت علينا أنفسنا إذ سمعت نداء من جبل سلع أن أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجدًا وعلمت أن الله قد جاء بالفرج ثم جاء رجل يركض على فرس وكان الصوت أسرع من فرسه فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتها إياه ببشارته واستعرت ثوبين فلبستهما قال: وكانت توبتنا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلثي الليل فقالت أُم سلمة عشيّتئذ: يا نبي الله ألا تبشر كعب بن مالك.
قال: إذا يحطمك الناس ويمنعونكم النوم بسائر الليل وكانت أم سلمة محسنة في شأني حزنى بأمري فاستطلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون فقام إلي طلحة ابن عبيد الله يهرول حتى صافحني وقال: «ليهنك توبة الله عليك»، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره وكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلمّا سلمت على رسول الله وقلت: يا نبي الله من عند الله أم من عندك؟ قال: «بل من عند الله» ثم تلا عليهم: {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين} إلى قوله: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} وقلت: يا نبي الله إن من توبتي ألاّ أحدث الأصدقاء حتى أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو اخير لك»، قلت: فإني أمسك سهمي الذي من خيبر قال: فما أنعم الله عليَّ نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي أن لا يكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا وأني لأرجو أن لا يكون الله عزّ وجلّ أبلا أحدًا في الصدق منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما ابتلاني والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا وأني لأرجو أن يحفظني الله عزّ وجلّ فيما بقي. هذا ما انتهى الينا من حديث الثلاثة الذين خلفوا.
{حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} المفسرون: أي ضاقت عليهم الأرض برمّتها {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} ضاقت صدورهم بالهمّ والوحشة {وظنوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ} سمعت الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري وإبراهيم بن محمد بن زيد النيسابوري وعبد الله ختن والي بلد العراق يقول: سُئل أبو بكر الوراق عن التوبة النصوح قال: أن تضيق علينا بما رحبت ويضيق عليه نفسه كتوبة كعب وصاحبه {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} إعادة تأكيد ليتوبوا فهذا بالتوبة منه.
سمعت أبا القاسم بن أبي بكر السدوسي، سمعت أبا سعيد أحمد بن محمد بن رميح الزيدي، سمعت الحسن بن علي الدامغاني يقول: قال أبو يزيد: غلطت في أربعة أشياء: في الإبتداء مع الله سبحانه ظننت أني أحبه فإذا هو أحبّني قال الله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] فظننت أني أرضى عنه فاذا هو رضي عني قال الله تعالى: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} وظننت أني أذكره فإذا هو ذكرني قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وشئت أن أتوب فإذا هو تاب عليَّ قال الله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم}. اهـ.